الغرض من اتّخاذ التّعاويذ

Publié le par connaitre islam

أوّلاً‏:‏ الاستشفاء‏:‏

أ - الاستشفاء بالقرآن‏:‏

الأصل في هذا الباب قوله تعالى ‏{وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هو شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمؤمنين، وَلا يَزِيدُ الظَّالمينَ إلا خَسَارَاً‏}‏ واختلف العلماء في كون القرآن شفاء على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّه لا يشرع الاستشفاء به من الأمراض البدنيّة، بل هو شفاء للقلوب، بزوال الجهل عنها وإزالة الرّيب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات، والأمور الدّالّة على اللّه تعالى، لقوله تعالى ‏{يَا أَيُّها النَّاسُ قَدْ جَاءتْكمْ مَوعِظَةٌ مِنْ رَبِّكمْ وَشِفَاءٌ لِمَا في الصُّدورِ}‏‏.‏

والقول الثّاني‏:‏ أنّه شفاء أيضاً من الأمراض بالرّقية والتّعوّذ ونحوه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، فجوّزوا الاستشفاء بالقرآن‏:‏ بأن يقرأ على المريض، أو الملدوغ الفاتحة، ويتحرّى ما يناسب، وإن كان القرآن كلّه شفاء على أنّ ‏{‏مِنْ}‏ في قوله تعالى ‏{وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ}‏ للبيان‏.‏ وفي الخبر «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه اللّه»‏.‏

ولما روى الأئمّة، واللّفظ للدّارقطنيّ عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «بعثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سريّة ثلاثين راكباً، قال فنزلنا على قوم من العرب، فسألناهم أن يضيّفونا، فأبوا، فلدغ سيّد الحيّ‏.‏ فأتوا فقالوا‏:‏ فيكم أحد يرقي من العقرب‏؟‏ وفي رواية ابن قتّة‏:‏ إنّ الملك يموت‏.‏ قال‏:‏ قلت أنا‏:‏ نعم، ولكن لا أفعل حتّى تعطونا‏.‏ فقالوا‏:‏ فإنّا نعطيكم ثلاثين شاة، قال‏:‏ فقرأت عليه ‏{الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ‏}‏ سبع مرّات فبرأ» وفي رواية سليمان بن قتّة عن أبي سعيد «فأفاق وبرأ‏.‏ فبعث إلينا بالنّزل، وبعث إلينا بالشّاء، فأكلنا الطّعام أنا وأصحابي، وأبوا أن يأكلوا من الغنم، حتّى أتينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فقال‏:‏وما يدريك أنّها رقية‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏.‏ شيء ألقي في روعي، قال‏:‏ كلوا وأطعمونا من الغنم»‏.‏

وقد أخرج التّرمذيّ وحسّنه والنّسائيّ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الجانّ وعين الإنسان حتّى نزلت المعوّذات، فأخذ بها وترك ما سواها»‏.‏ وهذا لا يدلّ على المنع من التّعوّذ بغير هاتين السّورتين، بل يدلّ على الأولويّة، ولا سيّما مع ثبوت التّعوّذ بغيرهما، وإنّما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كلّ مكروه جملة وتفصيلاً‏.‏

قال ابن حجر ‏:‏ لا يلزم من مشروعيّة الرّقى بالمعوّذات أن يشرع بغيرها من القرآن، لاحتمال أن يكون في المعوّذات سرّ ليس في غيرها‏.‏ وقد ذكرنا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم ترك ما عدا المعوّذات، لكن ثبتت الرّقية بفاتحة الكتاب، فدلّ على أن لا اختصاص للمعوّذات، وفي الفاتحة من معنى الاستعاذة باللّه الاستعانة به، فمهما كان فيه استعاذة أو استعانة باللّه وحده - أو ما يعطى معنى ذلك - فالاسترقاء به مشروع‏.‏ ويجاب عن حديث أبي سعيد بأنّ المراد‏:‏ أنّه ترك ما كان يتعوّذ به من الكلام غير القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بتبويب البخاريّ بعنوان ‏"‏ الرّقى بالقرآن ‏"‏ بعضَه، فإنّه اسم جنس يصدق على بعضه، والمراد ما كان فيه التجاء إلى اللّه سبحانه، ومن ذلك المعوّذات‏.‏ وقد ثبتت الاستعاذة بكلمات اللّه في عدّة أحاديث‏.‏

قال ابن بطّال‏:‏ في المعوّذات جوامع من الدّعاء تعمّ أكثر المكروهات من السّحر والحسد وشرّ الشّيطان ووسوسته وغير ذلك، فلهذا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكتفي بها‏.‏

ب - الاستشفاء بالأدعية المناسبة والأذكار المأثورة‏:‏

لا خلاف بين الفقهاء في جواز الاستشفاء بالأدعية والأذكار المأثورة، لما روي عن عائشة رضي الله عنها «أنّه صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ أهل بيته، يمسح بيده اليمنى، ويقول‏:‏ اللّهمّ ربّ النّاس أذهب البأس واشف أنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً» وفي حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص «رضي الله عنه أنّه شكا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ضع يدك على الّذي تألّم من جسدك، وقل‏:‏ بسم اللّه ثلاثاً، وقل سبع مرّات‏:‏ أعوذ بعزّة اللّه وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر»‏.‏



ثانياً‏:‏ استمالة الزّوج‏:‏

ما يستخدم لتحبيب الزّوجة أو الزّوج يسمّى ‏تولة ‏

صرّح الحنفيّة‏:‏ أنّ ذلك حرام لا يحلّ، وعلّل ابن وهبان بأنّه ضرب من السّحر، والسّحر حرام‏.‏ ومقتضاه أنّه ليس مجرّد كتابة آيات، بل فيه شيء زائد، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة شرك»‏.‏

وفي الجامع الصّغير‏:‏ امرأة أرادت أن تضع تعويذا ليحبّها زوجها، أنّ ذلك حرام لا يحلّ‏.‏

وأمّا ما تتحبّب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح أو ما تلبسه للزّينة، أو تطعمه من عُقَّارٍ مباح أكله، أو أجزاء حيوان مأكول ممّا يعتقد أنّه سبب إلى محبّة زوجها، لما أودع اللّه تعالى فيها من الخواصّ بتقدير اللّه‏.‏ لا أنّه يفعل بذاته‏ فقال ابن رسلان من الشّافعيّة‏:‏ الظّاهر أنّ هذا جائز، لا أعرف الآن ما يمنعه في الشّرع‏.‏



ثالثاً‏:‏ دفع ضرر العين‏:‏

الكلام هنا في مواضع‏:‏

أ - الإصابة بالعين‏:‏

ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الإصابة بالعين ثابتة موجودة، ولها تأثير في النّفوس، وتصيب المال، والآدميّ، والحيوان‏.‏

والأصل في ذلك ما رواه مسلم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه رفعه «العين حقّ، ولو كان شيء سابق القَدَر سبقته العين، وإذا اسْتُغْسِلْتُم فاغسلوا»‏.‏ وما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «العين حقّ.‏ ونهى عن الوشم»‏.‏ وأنكر طائفة من الطّبائعيّين وطوائف من المبتدعة العين لغير معنى، وأنّه لا شيء إلا ما تدركه الحواسّ الخمس وما عداها فلا حقيقة له‏.‏ والدّليل على فساد قولهم‏:‏ أنّه أمر ممكن، والشّرع أخبر بوقوعه فلا يجوز ردّه‏.‏

ب - الوقاية من العين‏:‏

ذكر العلماء للوقاية من العين الطّرق الآتية‏:‏

أ - قراءة بعض الأدعية والأذكار من قبل العائن‏:‏

ذهب جمهور العلماء إلى أنّ قراءة بعض الأدعية المأثورة، والآيات القرآنيّة تدفع ضرر العين، كما روى عامر بن ربيعة رضي الله عنه‏:‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئاً يعجبه، فليدع بالبركة، فإنّ العين حقّ»، ففيه دليل على أنّ العين لا تضرّ، ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول‏:‏ تبارك اللّه أحسن الخالقين، اللّهمّ بارك فيه‏.‏ وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال‏:‏ اللّهمّ بارك ولا تضرّه‏.‏ ويقول‏:‏ ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه‏.‏ وفي حديث أنس رضي الله عنه رفعه‏:‏ «من رأى شيئاً فأعجبه، فقال‏:‏ ما شاء اللّه، لا قوّة إلا باللّه لم يضرّه»‏.‏

ب - الاسترقاء من العين‏:‏

روى التّرمذيّ من حديث «أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّ ولد جعفر تسرع إليهم العين، أونسترقي لهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم» الحديث‏.‏

وفي رواية عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنّه صلى الله عليه وسلم قال لأسماء‏:‏ «ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة‏؟‏ أتصيبهم الحاجة‏؟‏ قالت‏:‏ لا، ولكنّ العين تسرع إليهم، قال ارقيهم، قالت‏:‏ فعرضت عليه، فقال‏:‏ ارقيهم»‏.‏

ج - الاستشفاء من إصابة العين‏:‏

صرّح العلماء بوجوب الاغتسال للاستشفاء من إصابة العين، فيؤمر العائن بالاغتسال، ويجبر إن أبى، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان يؤمر العائن فيتوضّأ، ثمّ يغتسل منه المعين»‏.‏ والأمر حقيقة للوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ممّا ينتقع به، ولا يضرّه هو، ولا سيّما إذا كان هو الجاني عليه‏.‏

د - المعروف بالإصابة بالعين وما عليه‏:‏

نقل ابن بطّال عن بعض العلماء، أنّه ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويحترز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة النّاس، ويلزمه بيته، وإن كان فقيراً رزقه ما يكفيه، فضرره أكثر من ضرر آكل الثّوم والبصل الّذي منعه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد لئلا يؤذي النّاس، ومن ضرر المجذوم الّذي منعه عمر رضي الله عنه‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ هذا القول صحيح متعيّن، لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه‏.‏



رابعاً‏:‏ دفع البلاء‏:‏

كان أهل الجاهليّة يعلّقون التّمائم والقلائد، ويظنّون أنّها تقيهم وتصرف عنهم البلاء، فأبطلها الإسلام، ونهاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمّا كانوا يصنعونه من ذلك في جاهليّتهم بقوله‏:‏ «من تعلّق تميمة فلا أتمّ اللّه له، ومن علّق ودعة فلا ودع اللّه له» وذلك لأنّه لا يصرفه إلا اللّه عزّ وجلّ، واللّه تعالى هو المعافي والمبتلي‏.‏

أ - تعليق التّعويذات على الإنسان‏:‏

إن كان المعلّق خرزاً أو خيوطاً أو عظاماً أو نحو ذلك فذلك حرام، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تعلّق شيئاً وكل إليه»‏.‏ ولحديث «أنّه صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة - أراه قال من صفر - فقال‏:‏ ويحك ما هذه‏؟‏ قال‏:‏ من الواهنة‏.‏ قال أمّا إنّها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك فإنّك لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبداً»‏.‏

وإن كان المعلّق شيئاً ممّا كتب فيه الرّقى المجهولة والتّعوّذات الممنوعة فذلك حرام أيضاً‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تعلّق تميمة فلا أتمّ اللّه له، ومن تعلّق ودعة فلا ودع اللّه له»‏.‏ وإن كان المعلّق شيئا كتب فيه شيء ممّا يجوز الاسترقاء به من القرآن أو الأدعية المأثورة، فقد اختلف في جواز ذلك‏:‏

فقالت طائفة‏:‏ يجوز ذلك‏.‏ وهو قول عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو ظاهر ما روي عن عائشة رضي الله عنها وبه قال أبو جعفر، وأحمد في رواية‏.‏ وحملوا حديث النّهي عن التّمائم على ما فيه شرك ونحوه من الرّقى الممنوعة على ما تقدّم بيانه‏.‏ وقالت طائفة أخرى‏:‏ لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عبّاس، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن حكيم رضي الله عنهم، وبه قال جمع من التّابعين، منهم أصحاب ابن مسعود‏.‏

قال إبراهيم النّخعيّ‏:‏ كانوا - يعني أصحاب ابن مسعود - يكرهون التّمائم كلّها، من القرآن وغيره‏.‏ وكرهه أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم به المتأخّرون، لعموم النّهي عن التّمائم، ولسدّ الذّريعة، لأنّ تعليقه يفضي إلى تعليق غيره، ولأنّه إذا علّق فلا بدّ أن يمتهنه المعلّق، بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك‏.‏

والّذين ذهبوا من العلماء إلى جواز تعليق التّعويذ اشترطوا ما يلي‏:‏

أن يكون في قصبة أو رقعة يخرز فيها‏.‏

أن يكون المكتوب قرآنا، أو أدعية مأثورة‏.‏

أن يترك حمله عند الجماع أو الغائط‏.‏

ألا يكون لدفع البلاء قبل وقوعه، ولا لدفع العين قبل أن يصاب، قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ما تعلّق بعد نزول البلاء فليس من التّمائم‏.‏

ب - تعليق التّعويذات على الحيوان‏:‏

وأمّا تعليق التّعويذ على الحيوان فلا يخلو إمّا أن يكون الحيوان طاهراً، فيكره لأنّه فعل غير مأثور، ولما فيه من الامتهان وملابسة الأنجاس والأقذار، وهذا بخلاف الصّبيان ونحوهم فلهم من يصونهم ويمنعهم من ذلك‏.‏ وإن كان الحيوان نجساً كالكلب ونحوه فلا إشكال في التّحريم‏.‏

Publié dans jurisprudence

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article