معاني الهداية

Publié le par Alain

قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ ٥٠ سورة طه

مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِيۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٧٨ سورة الأعراف

وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ سورة الشورى

إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٥٦ سورة القصص

 

قد يبدو لأول وهلة تعارض في الذكر الحكيم، ففي آية الشورى يُثبت الله الهداية لرسوله ﷺ وفي آية القصص ينفيها عنه. وما ذلك إلا لتنوع معاني الهداية

 

ولنبدأ بآية طه. يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: قال بعض المفسرين: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} كقوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3] أي: قدر قدرًا، وهدى الخلائق إليه، أي: كَتَب الأعمال والآجال والأرزاق، ثم الخلائق ماشون على ذلك، لا يحيدون عنه، ولا يقدر أحد على الخروج منه. يقول: ربنا الذي خلق [الخلق] وقدر القَدَر، وجَبَل الخليقة على ما أراد

وقال الإمام السعدي في تفسيره: أي: ربُّنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كلَّ مخلوق خَلْقَه اللائق به، [الدال] على حسن صنعة من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته، ثم هدى كلَّ مخلوق إلى ما خَلَقَه له، وهذه الهداية الكاملةُ المشاهدةُ في جميع المخلوقات؛ فكلُّ مخلوق تجِدُه يسعى لما خُلِقَ له من المنافع وفي دفع المضارِّ عنه، حتَّى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من العقل ما يتمكَّن به على ذلك، وهذا كقوله تعالى: {الذي أحسن كلَّ شيءٍ خَلَقَه}: فالذي خَلَقَ المخلوقاتِ، وأعطاها خَلْقَها الحسنَ الذي لا تقترح العقول فوقَ حسنِهِ، وهداها لمصالحها؛ هو الربُّ على الحقيقة؛ فإنكاره إنكارٌ لأعظم الأشياء وجوداً، وهو مكابرةٌ ومجاهرةٌ بالكذب

 

وفي آية الشورى، ذكر الإمام الطبري في تفسيره عن قتادة قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال تبارك وتعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ داع يدعوهم إلى الله عز وجل

وكذلك قال غيره من العلماء

 

أما الهداية في قوله تعالى: نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا

يعني بقوله: {نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ}: نسدد إلى سبيل الصواب، وذلك الإيمان بالله {مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} يقول: نهدي به من نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا. تفسير الطبري

 

وفي آية القصص، يقول تعالى لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه: إنك يا محمد {إنك لا تهدي من أحببت} أي: ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ، والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، كما قال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} [البقرة: 272]، وقال: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]. وهذه الآية أخص من هذا كله؛ فإنه قال: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} أي: هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية، وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله ﷺ وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في صفه ويحبه حبا [شديدا] طبعيا لا شرعيا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله، دعاه رسول الله ﷺ إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فسبق القدر فيه، واختطف من يده، فاستمر على ما كان عليه من الكفر، ولله الحكمة التامة. تفسير ابن كثير

 

يقول الشيخ ابن باز: ولا شكَّ أنَّ الهداية بيد الله جلَّ وعلا، وهي هداية التوفيق وقذف النور في القلب حتى يقبل الحقَّ، هذه الهداية بيده سبحانه، ليست في أيدي الرسل ولا غيرهم: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وفي الآية الأخرى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17]، وهي المذكورة في قوله جلَّ وعلا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، وفي قوله سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] يعني: الهداية التي معناها التَّوفيق لقبول الحقِّ وإيثاره والرِّضا به، هذه بيد الله، لا يملكها أحدٌ

 

ويقول أيضا: أمَّا هداية البلاغ والبيان فهذه بيد الله، وبيد رسله وأوليائه والدُّعاة إليه، جعلها في أيديهم، ومنحهم إياها؛ فضلًا منه، ومعناها البيان والبلاغ والإيضاح والدَّعوة، وهي المذكورة في قوله جلَّ وعلا: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] يعني: تدلّ وتُرشد وتدعو، وهي المذكورة في قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17]، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ يعني: بلغناهم، ودللناهم، وأرشدناهم، وأوضحنا لهم الأمر، لكن أبوا، واستمرُّوا على الطُّغيان، وهكذا جميع المدعوين كلّهم هُدوا، بُيِّن لهم من طريق الرسل، ولكن مَن سبقت له الشَّقاوة لم يقبل، واستمرَّ على طُغيانه، ولم يقبل من الرسل دعوتهم وهدايتهم، لكن على المؤمن الدَّعوة، وعليه الصَّبر، عليه الدَّعوة والهداية التي هي البلاغ والبيان، وعليه الصَّبر في ذلك، وله الأجر العظيم

 

ومما سبق نخلص لمعاني الهداية

هداية توفيق المخلوق للقيام بالدور المنوط به، وهذه من الله وحده

هداية البلاغ والبيان والدعوة، وهذه من الله ومن رسله ومن كل داع للخير

هداية القلوب إلى الحق، وهذه من الله وحده

والله تعالى أعلى وأعلم

اللهم اهدنا فيمن هديت

 

Publié dans Aqida, coran, guidée

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article