فوائد من حديث الصراط

Publié le par connaitre islam

 

فوائد من حديث الصراط

قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى : في هذا الحديث من الفوائد جواز مخاطبة الشخص بما لا تدرك حقيقته وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه وأن الأمور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا إلا في الأسماء والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظري وأن الكلام إذا كان محتملا لأمرين يأتي المتكلم بشيء يتخصص به مراده عند السامع وأن التكليف لا ينقطع إلا بالاستقرار في الجنة أو النار وأن امتثال الأمر في الموقف يقع بالاضطرار . وفيه فضيلة الإيمان لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع التمييز بإطفاء النور وغير ذلك وأن الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة . وفيه أن النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أمرت بإحراقه والآدمي مع حقارة جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ وهو كقوله - تعالى - في وصف الملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وفيه إشارة إلى توبيخ الطغاة والعصاة ، وفيه فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلا لذلك في ظاهر الحكم لكن فضل الكريم واسع وفي قوله : في آخره في بعض طرقه " ما أغدرك " إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل الذميم إلا بعد أن يتكرر ذلك منه . وفيه إطلاق اليوم على جزء منه لأن يوم القيامة في الأصل يوم واحد وقد أطلق اسم اليوم على كثير من أجزائه وفيه جواز سؤال الشفاعة خلافا لمن منع محتجا بأنها لا تكون إلا لمذنب قال عياض : وفات هذا القائل أنها قد تقع في دخول الجنة بغير حساب وغير ذلك مع أن كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره وكذا كل عامل يخشى أن لا يقبل عمله فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله . قال ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة ولا بالرحمة وهو خلاف ما درج عليه السلف في أدعيتهم وفي الحديث أيضا تكليف ما لا يطاق لأن المنافقين يؤمرون بالسجود وقد منعوا منه كذا قيل وفيه نظر لأن الأمر حينئذ للتعجيز والتبكيت وفيه إثبات رؤية الله - تعالى - في الآخرة قال الطيبي : وقول من أثبت الرؤية ووكل علم حقيقتها إلى الله فهو الحق وكذا قول من فسر الإتيان بالتجلي هو الحق لأن ذلك قد تقدمه قوله هل تضارون في رؤية الشمس والقمر وزيد في تقرير ذلك وتأكيده وكل ذلك يدفع المجاز عنه والله أعلم واستدل به بعض السالمية ونحوهم على أن المنافقين وبعض أهل الكتاب يرون الله مع المؤمنين وهو غلط لأن في سياق حديث أبي سعيد أن المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى بعد رفع رؤوسهم من السجود وحينئذ يقولون أنت ربنا ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم وأما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل فقد تقدم أنه صورة الملك وغيره . قلت ولا مدخل أيضا لبعض أهل الكتاب في ذلك لأن في بقية الحديث أنهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر الإيمان ويقال لهم ما كنتم تعبدون ؟ وأنهم يتساقطون في النار وكل ذلك قبل الأمر بالسجود . وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأمة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وأن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى ساقه وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون فيكون عذابهم إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلا ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله يموتون فيها إماتة بأنه ليس المراد أن يحصل لهم الموت حقيقة وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق بهم أو كنى عن النوم بالموت وقد سمى الله النوم وفاة ووقع في حديث أبي هريرة أنهم إذا دخلوا النار ماتوا فإذا أراد الله إخراجهم أمسهم ألم العذاب تلك الساعة قال وفيه ما طبع عليه الآدمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب فطلب أولا أن يبعد من النار ليحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة ثم طلب الدنو منهم وقد وقع في بعض طرقه طلب الدنو من شجرة بعد شجرة إلى أن طلب الدخول ويؤخذ منه أن صفات الآدمي التي شرف بها على الحيوان تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما انتهى ملخصا مع زيادات في غضون كلامه والله المستعان


مقتبس من فتح الباري

Publié dans après la mort

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article