صلاح عطية مصري حارب الفقر بالفقراء

Publié le par Alain

جنازة صلاح عطية

جنازة صلاح عطية

 

صلاح عطية هو مهندس زراعي مصري، نذر نفسه للعمل الخيري القائم على الجهود الذاتية، فأثمر مؤسسات تعليمية وتربوية واجتماعية لم تكلف الدولة شيئا، وأرسى سلوكا تكافليا، واختفت مظاهر الفقر والحرمان والبطالة والمرض في محيطه.

المولد والنشأة
تجسد حياة الرجل حقيقة قد تحير المنظرين، وهي أنه بقدر الإيمان بالفكرة والعمل لها وتلمس الطرق المؤدية إلى تحقيقها تأتي ثمرتها، مهما تواضعت الإمكانيات.

لم يكن صلاح عطية من أثرياء قريته "تفهنا الأشراف" التابعة لمركز ميت غمر محافظة الدقهلية بشرق الدلتا، بل على العكس ولد فقيرا بالمعايير المادية المتعارف عليها، في قرية فقيرة حالها في ذلك حال غالبية قرى ونجوع وعزب مصر في الوجهيين القبلي والبحري.

التوجه الفكري
لم ينتم إلى حزب أو جماعة معينة، ولم يكن حكوميا في يوم من الأيام، بل إفرازا للبيئة الريفية المصرية بكل تفاصيلها، حيث عمق الحكمة في تلقائيتها وبساطتها، ولم يسع الرجل طيلة حياته الحافلة بالعمل الخيري الممتد إلى مقابل أو شهرة أو مجد، ولم يعرف عنه بلاغة الخطابة أو القول، فعباراته البسيطة لاستنهاض الرصيد الخيري في نفوس من حوله فجرت الطاقة الهائلة لديهم حيث الفعل والعمل بعيدا عن زخرف القول.

الدراسة والتكوين
عاش صلاح عطية في بيئة زراعية، واختار الزراعة مجالا لدراسته ليتخرج في إحدى كلياتها وما أكثرها في مصر، وما أكثر خريجيها، وهي التي أطعمت الجوار والمحيط قديما قبل أن يصبح الأمن الغذائي أبرز الهموم التي تؤرق أبناءها.

التجربة الخيرية
من ثقافة زراعة الأرض انطلق صلاح عطية ليزرع المعاني والقيم التكافلية في محيطه، أحسن الغرس وتعهده عن قرب موقنا بمجيء الثمر والحصاد، لينعم به الفقراء والمحتاجون، فقد كان الرجل على يقين بأن التجارة مع الله لن تبور، وأنها مضمونة الربح، بل والربح المضاعف بعد أن لمس ذلك بنفسه، حيث بدأ هو وتسع آخرون في نفس ظروفه مشروع دواجن، ودفع كل منهم مبلغ 200 جنيه وكانوا في حاجة إلي شريك عاشر.

جاء صلاح عطية يبشر باقي أفراد المجموعة قائلا لهم "الشريك العاشر سيكون لله، الله سبحانه له عشر الأرباح"، فوافق الجميع على الفور، وبدؤوا المشروع وحققوا أرباحا لم تكن في حسبانهم، فقرروا زيادة نصيب القرض مع الله إلى 20% وتوالت الزيادة عاما بعد عام حتى وصلت نسبتها إلى 50%.

خصصت تلك النسبة من الأرباح في مشاريع خيرية بقريته تفهنا الأشراف، فأقيمت حضانة لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بالمجان، مع نقلهم من القرى المجاورة والتكفل بزي الحضانة، ثم بناء معهد ديني ابتدائي للبنين ثم آخر للبنات، ثم معهد إعدادي للبنات ثم آخر للبنين. ثم معهد أزهري ثانوي للبنات ثم آخر للبنين.

بدأ صلاح عطية التفكير في إنشاء كلية جامعية للشريعة والقانون، تلتها كلية للتجارة بنات ثم كلية لأصول الدين ثم كليه للتربية، فأصبحت قرية تفهنا الأشراف أول قرية مصرية تقام فيها جامعة.

وأسهم أهالي القرية بالتبرع في إقامة تلك المنشآت حسب استطاعتهم، بداية من المشاركة في أعمال البناء إلى التبرع بالمال كل حسب استطاعته، وهكذا كلما توسع النشاط الإنتاجي توسع النشاط الاجتماعي، وإلى جانب ذلك أنشأ محطة قطار بالبلد أيضا بالجهود الذاتية، وبيت طالبات يسع 600 طالبة وبيت طلاب يسع 1000 طالب بالقرية.

لجان
توسع في إنشاء لجان متخصصة للتنمية داخل القرية، فهذه لجنة للزراعة مكونة من المهندسين الزراعيين على المعاش، لبحث كيفية زيادة إنتاجية المحاصيل المزروعة، ولجنة للشباب تختص بشغل أوقات فراغهم. ولجنة للتعليم مكونة من نظار المدارس بالمعاش لرفع المستوى التعليمي بالقرية.

كما تم عمل لجنة للمصالحات لها مقر ودفاتر للسعي للصلح في الخلافات المتنوعة داخل القرية. فالخلاف الزراعي يتدخل في حله متخصصون في الزراعة، والخلاف الهندسي يتكفل به مهندسون مدنيون... وهكذا في باقي أنواع الخلافات.

عمل على حصر الأرامل والمطلقات لتدبير وسيلة كسب لكل منهن، من خلال إعطائهن شاة وكمية من الأعلاف، كذلك تدريب الفتيات والسيدات على الخياطة وإعطاؤهن ماكينات خياطة، وتكليفهن بتفصيل زي الحضانة التي توزع بالمجان، فضمنت السيدات تسويق الإنتاج، مما رفع من المستوى المعيشي لهن.

كما حصر أصحاب الحرف بحيث تم شراء أدوات الحرفة لكل منهم. حتى لو كان طبيبا يتم شراء أدوات الطب له، أما غير أصحاب الحرف فقد اتفق مع متاجر جملة على إمدادهم بالبضائع لعمل منافذ بيع للسلع.

وتسبب وجود أربع كليات جامعية بالقرية في حدوث رواج تجاري، وحركة نشيطة للنقل والمواصلات، كما قامت غالبية البيوت ببناء حجرات إضافية لتأجيرها للطلاب، والنتيجة أنه لم يعد بالقرية عاطل ولا فقير.

وفي مواسم حصاد المحاصيل الزراعية تجهّز أكياس لأهل البلد جميعهم صغيرهم وكبيرهم كنوع من الهدايا. وفي اليوم الأول من شهر رمضان يقوم أهالي القرية بتجهيز طعام ويتم عمل إفطار جماعي بساحة كبيرة يحضر فيها الجميع.

تعميم التجرية
لم تقتصر جهود صلاح عطية على قريته، بل امتدت إلى قرى مجاورة بالمحافظة والمحافظات الأخرى، أخذ الرجل ينتقل إليها وما من قرية زارها وغادرها إلا وأقام بها بيت مال للمسلمين لمساعدة الفقراء والأرامل والشباب عن طريق عمل مشاريع لهم تساعدهم على العيش دون الحاجة لأحد.

فجر صلاح عطية الطاقة الخيرية في نفوس البسطاء الذين لم يتأخروا في المساهمة بمشاريع الخير تلك بأموالهم البسيطة، حتى لو كانت دجاجة لإطعام العاملين على تنفيذها، كما يروي شهود العيان الذين شهدوا بعض الحشود التي لبت مسعى الرجل في الأعمال الخيرية، حيث تبارى الجميع في التبرع كل حسب طاقته، فمن ليس عنده مال تبرع بجهده للعمل كل حسب حرفته.

كسر هذا الأسلوب رتابة الحالة في مصر حيث تتركز المشاريع التنموية الحكومية على العاصمة والمدن، ولا تأتي على ذكر الريف والقرى إلا في المواسم الانتخابية عندما تكثر الوعود التي سرعان ما تتبخر ليظل الريف منسيا ومهملا في جميع المجالات التعليمية والصحية وغيرها.

الوفاة
فارق صلاح عطية الحياة يوم الاثنين 12 يناير/كانون الثاني 2016 وهو في عمر السبعين عاما، بعد أن قضى عمره وفيا لفكرته عاملا من أجلها من دون رغبة في مال أو شهرة أو دعاية أو نفوذ تجسد سيرته ومسيرته "استقامة الفكرة وصلاح العطية".
 

المصدر : الجزيرة

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article