عبد الله بن عباس ترجمان القرآن 4

Publié le par connaitre islam

 

عبادته

وقال ابن أبي مليكة‏:‏ صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفا حرفا ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ويقرأ‏:‏ ‏{وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}‏‏[‏ق‏:‏ 19‏]‏‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ عن المعتمر بن سليمان عن شعيب بن درهم قال‏:‏ كان في هذا المكان - وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه - يعني‏:‏ خدي ابن عباس - مثل الشراك البالي من البكاء‏.‏ وقال غيره‏:‏ كان يصوم يوم الاثنين والخميس‏.‏ وقال‏:‏ أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم‏.‏

 

جهاده

شهد فتح إفريقية سنة سبع وعشرين مع ابن أبي سرح‏.‏

 

وقوفه بجانب علي رضي الله عنه

وقال الزهري‏:‏ عن علي بن الحسين عن أبيه قال‏:‏ نظر أبي إلى ابن عباس يوم الجمل يمشي بين الصفين فقال‏:‏ أقر الله عين من له ابن عم مثل هذا‏.‏

وقد شهد مع علي الجمل وصفين وكان أميرا على الميسرة وشهد معه قتال الخوارج وكان ممن أشار على علي أن يستنيب معاوية على الشام وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر حتى قال له فيما قال‏:‏ إن أحببت عزله فوله شهرا واعزله دهرا فأبى علي إلا أن يقاتله.‏ ولما تراض الفريقان على تحكيم الحكمين طلب ابن عباس أن يكون من جهة علي ليكافئ عمرو بن العاص فامتنعت مذحج وأهل اليمن إلا أن يكون من جهة علي أبو موسى الأشعري‏.‏

 

ولايته على البصرة

وقد استنابه علي على البصرة وأقام للناس الحج في بعض السنين فخطب بهم في عرفات خطبة وفسر فيها سورة البقرة‏.‏ وفي رواية سورة النور قال‏:‏ من سمعه فسر ذلك تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا‏.‏

وهو أول من عرف بالناس في البصرة فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله فيفسر شيئا من القرآن ويذكر الناس من بعد العصر إلى الغروب ثم ينزل فيصلي بهم المغرب‏.‏

وكان إذا خرج من البصرة يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة وزياد بن أبي سفيان على الخراج وكان أهل البصرة مغبوطين به يفقههم ويعلم جاهلهم ويعظ مجرمهم ويعطي فقيرهم فلم يزل عليها حتى مات علي‏.‏

 

مع معاوية

وفد على معاوية فأكرمه وقربه واحترمه وعظمه وكان يلقي عليه المسائل المعضلة فيجيب عنها سريعا فكان معاوية يقول‏:‏ ما رأيت أحدا أحضر جوابا منه‏.‏

ولما جاء الكتاب بموت الحسن بن علي اتفق كون ابن العباس عند معاوية فعزاه فيه بأحسن تعزية ورد عليه ابن عباس ردا حسنا‏.‏ وبعث معاوية ابنه يزيد فجلس بين يدي ابن عباس وعزاه بعبارة فصيحة وجيزة شكره عليها ابن عباس‏.‏

 

موقفه من خروج الحسين إلى العراق

ولما مات معاوية ورام الحسين الخروج إلى العراق نهاه ابن عباس أشد النهي وأراد ابن عباس أن يتعلق بثياب الحسين - لأن ابن عباس كان قد أضر في آخر عمره - فلم يقبل منه فلما بلغه موته حزن عليه حزنا شديدا ولزم بيته

 

من أقواله

كان يقول‏:‏ يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم فإنك إن لا تفعل تندم‏.‏

وجاء إليه رجل يقال له‏:‏ جندب فقال له‏:‏ أوصني‏.‏ فقال‏:‏ أوصيك بتوحيد الله والعمل له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإن كل خير آتيه أنت بعد ذلك منك مقبول وإلى الله مرفوع يا جندب إنك لن تزدد من موتك إلا قربا فصل صلاة مودع‏.‏ وأصبح في الدنيا كأنك غريب مسافر فإنك من أهل القبور وابك على ذنبك وتب من خطيئتك ولتكن الدنيا عليك أهون من شسع نعلك فكأن قد فارقتها وصرت إلى عدل الله ولن تنتفع بما خلفت ولن ينفعك إلا عملك‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم‏.‏ قال‏:‏ لا تكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى له موضعا ولا تمار سفيها ولا حليما فإن الحليم يغلبك والسفيه يزدريك ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه واعمل عمل من يعلم أنه مجزى بالإحسان مأخوذ بالإجرام‏.‏ فقال رجل عنده‏:‏ يا ابن عباس ‏!‏ هذا خير من عشرة آلاف‏.‏ فقال ابن عباس‏:‏ كلمة منه خير من عشرة آلاف‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ تمام المعروف تعجيله وتصغيره وستره - يعني‏:‏ أن تعجل العطية للمعطى - وأن تصغر في عين المعطي - وأن تسترها عن الناس فلا تظهرها ‏!‏ فإن في إظهارها فتح باب الرياء وكسر قلب المعطى واستحياءه من الناس‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ أعز الناس على جليس لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت‏.‏

وقال أيضا‏:‏ لا يكافئ من أتاني يطلب حاجة فرآني لها موضعا إلا الله عز وجل وكذا رجل بدأني بالسلام أو أوسع لي في مجلس أو قام لي عن المجلس أو رجل سقاني شربة ماء على ظمأ ورجل حفظني بظهر الغيب‏.‏

 

إصابته بالعمى رضي الله عنه

وقد عده الهيثم بن عدي في العميان من الأشراف وفي بعض الأحاديث الواردة عنه ما يدل على ذلك وقد أصيبت إحدى عينيه فنحل جسمه فلما أصيبت الأخرى عاد إليه لحمه فقيل له في ذلك فقال‏:‏ أصابني ما رأيتم في الأولى شفقة على الأخرى فلما ذهبتا اطمأن قلبي‏.‏

وقال أبو القاسم البغوي‏:‏ ثنا علي بن الجعد ثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه وقع في عينيه الماء فقال له الطبيب‏:‏ ننزع من عينيك الماء على أن لا تصلي سبعة أيام‏.‏ فقال‏:‏ لا ‏!‏ إنه من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقي الله وهو عليه غضبان‏.‏ ‏وفي رواية أنه قيل له‏:‏ نزيل هذا الماء من عينيك على أن تبقى خمسة أيام ولا تصلي إلا على عود‏.‏ وفي رواية‏:‏ إلا مستلقيا‏.‏ فقال‏:‏ لا والله ولا ركعة واحدة إنه من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي الله وهو عليه غضبان‏.‏

وقد أنشد المدائني لابن عباس حين عمي‏:‏

إن يأخذ الله من عيني نورهما * ففي لساني وسمعي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل * وفي فمي صارم كالسيف مأثور

 

اعتزاله للفتنة زمن الأمويين

ولما وقع الخلف بين ابن الزبير وبين عبد الملك بن مروان اعتزل ابن عباس ومحمد بن الحنفية الناس فدعاهما ابن الزبير ليبايعاه فأبيا عليه وقال كل منهما‏:‏ لا نبايعك ولا نخالفك

 

وفاته

فلما كان في سنة ثمان وستين توفي ابن عباس بالطائف وصلى عليه محمد بن الحنفية فلما وضعوه ليدخلوه في قبره جاء طائر أبيض لم ير مثل خلقته فدخل في أكفانه والتف بها حتى دفن معه‏.‏ قال عفان‏:‏ وكانوا يرون علمه وعمله فلما وضع في اللحد تلا تال لا يعرف من هو وفي رواية‏:‏ أنهم سمعوا من قبره‏:‏ ‏{يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 27-30‏]‏‏.‏ هذا القول في وفاته هو الذي صححه غير واحد من الأئمة ونص عليه أحمد بن حنبل والواقدي وابن عساكر وهو المشهور عند الحافظ‏.‏

وكان عمره يوم مات ثنتين وسبعين سنة‏.‏

 

أولاده ومواليه

وقد كان بنو العباس عشرة وهم‏:‏ الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبد وقثم وعبد الرحمن وكثير والحارث وعون وتمام‏.‏ ‏وكان أصغرهم تمام ولهذا كان يحمله ويقول‏:‏

تموا بتمام فصاروا عشرة * يا رب فاجعلهم كراما بررة

واجعلهم ذكرا وانم الثمرة

فأما الفضل فمات بأجنادين شهيدا وعبد الله بالطائف وعبيد الله باليمن ومعبد وعبد الرحمن بإفريقية وقثم وكثير بينبع‏.‏ وقيل‏:‏ إن قثما مات بسمرقند‏.‏

وقد قال مسلم بن حماد المكي مولى بني مخزوم‏:‏ ما رأيت مثل بني أم واحدة أشراف ولدوا في دار واحدة أبعد قبورا من بني أم الفضل ثم ذكر مواضع قبورهم كما تقدم إلا أنه قال‏:‏ الفضل مات بالمدينة وعبيد الله بالشام‏.‏

وقد كان عبد الله بن عباس يلبس الحلة بألف درهم وكان له من الولد العباس وعلي وكان علي يدعى السجاد لكثرة صلاته وكان أجمل قرشي على وجه الأرض‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنه كان يصلي كل يوم ألف ركعة‏.‏ وقيل‏:‏ في الليل والنهار مع الجمال التام وعلى هذا فهو أبو الخلفاء العباسيين ففي ولده كانت الخلافة العباسية‏.‏

وكان لابن العباس أيضا محمد والفضل وعبد الله وأمهم‏:‏ زرعة بنت مسرح بن معدي كرب وله أسماء وهي لأم ولد‏.‏

وكان له من الموالي‏:‏ عكرمة وكريب وأبو معبد وشعبة ودقيق وأبو عمرة وأبو عبيدة‏.‏

 

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 

البداية والنهاية

 

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article