أبو سليمان الداراني

Publié le par connaitre islam

 

 

عبد الرحمن بن عطية، وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن أحمد بن عطية، وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن عسكر‏.‏

أبو سليمان الداراني، أحد أئمة العلماء العاملين، أصله من واسط، ولد في حدود الأربعين ومئة، سكن قرية غربي دمشق يقال لها‏:‏ داريا‏.‏

وقد سمع الحديث من‏:‏ سفيان الثوري، وغيره‏.‏ وروى عنه‏:‏ أحمد بن أبي الحواري، وجماعة‏.‏

وأسند الحافظ ابن عساكر من طريقه، قال‏:‏ سمعت علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد، يقول‏:‏ سمعت إبراهيم بن أدهم، يقول‏:‏ سمعت ابن عجلان يذكر، عن القعقاع بن حكيم، عن أنس بن مالك، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من صلى قبل الظهر أربعاً غفر الله ذنوبه يومه ذلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو القاسم القشيري‏:‏ حكي عن أبي سليمان الداراني، قال‏:‏ اختلفت إلى مجلس قاصٍّ فأثر كلامه في قلبي، فلما قمت لم يبق في قلبي منه شيء، فعدت إليه ثانية فأثر في قلبي بعد ما قمت وفي الطريق، ثم عدت إليه ثالثة فأثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي، فكسرت آلات المخالفات ولزمت الطريق، فحكيت هذه الحكاية ليحيى بن معاذ، فقال‏:‏ عصفور اصطاد كركياً - يعني‏:‏ بالعصفور القاص، وبالكركي‏:‏ أبا سليمان -‏.‏

وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ سمعت أبا سليمان، يقول‏:‏ ليس لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمع به في الأثر، فإذا سمع به في الأثر عمل به فكان نوراً على نور‏.‏

وقال الجنيد‏:‏ قال أبو سليمان‏:‏ ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين‏:‏ الكتاب والسنة‏.‏

قال‏:‏ وقال أبو سليمان‏:‏أفضل الأعمال خلاف هوى النفس‏.‏

وقال‏:‏ لكل شيء علم، وعلم الخذلان ترك البكاء من خشية الله‏.‏

وقال‏:‏ لكل شيء صدأ، وصدأ نور القلب شبع البطن‏.‏

وقال‏:‏ كل ما شغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو شؤم‏.‏

وقال‏:‏ كنت ليلة في المحراب أدعو ويداي ممدوتان فغلبني البرد فضممت إحديهما وبقيت الأخرى مبسوطة أدعو بها، وغلبتني عيني فنمت فهتف بي هاتف‏:‏ يا أبا سليمان ‏!‏ قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها‏.‏ قال‏:‏ فآليت على نفسي ألا أدعو إلا ويداي خارجتان حراً كان أو برداً‏.‏

وقال‏:‏ نمت ليلة عن وردي فإذا أنا بحوراء تقول لي‏:‏ تنام وأنا أربي لك في الخدور منذ خمسمائة عام ‏؟‏

وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ سمعت أبا سليمان، يقول‏:‏ إن في الجنة أنهاراً على شاطئيها خيام فيهن الحور، ينشئ الله خلق الحوراء إنشاء، فإذا تكامل خلقها ضربت الملائكة عليهن الخيام، الواحدة منهن جالسة على كرسي من ذهب ميل في ميل، قد خرجت عجيزتها من جانب الكرسي، فيجيء أهل الجنة من قصورهم يتنزهون على شاطئ تلك الأنهار ما شاؤوا ثم يخلو كل رجل بواحدة منهن‏.‏ قال أبو سليمان‏:‏ كيف يكون في الدنيا حال من يريد افتضاض الأبكار على شاطئ تلك الأنهار في الجنة‏.‏

وقال‏:‏ سمعت أبا سليمان يقول‏:‏ ربما مكثت خمس ليال لا أقرأ بعد الفاتحة بآية واحدة أتفكر في معانيها، ولربما جاءت الآية من القرآن فيطير العقل، فسبحان من يرده بعد‏.‏

وسمعته يقول‏:‏أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل، ومفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع‏.‏

وقال لي يوماً‏:‏ يا أحمد ‏!‏ جوع قليل، وعري قليل، وفقر قليل، وصبر قليل، وقد انقضت عنك أيام الدنيا‏.‏

وقال أحمد‏:‏ اشتهى أبو سليمان يوماً رغيفاً حاراً بملح فجئته به فعض منه عضة ثم طرحه وأقبل يبكي ويقول‏:‏ يا رب عجلت لي شهوتي، لقد أطلت جهدي وشقوتي وأنا تائب‏؟‏ فلم يذق الملح حتى لحق بالله عز وجل‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ من حسن ظنه بالله ثم لم يخفه ويطعه فهو مخدوع‏.‏

وقال‏:‏ ينبغي للخوف أن يكون على العبد أغلب الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب‏.‏

وقال لي يوماً‏:‏ هل فوق الصبر منزلة ‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم ‏!‏ - يعني‏:‏ الرضا -‏.‏ فصرخ صرخة غشي عليه ثم أفاق فقال‏:‏ إذا كان الصابرون يوفون أجرهم بغير حساب، فما ظنك بالأخرى‏.‏

وقال‏:‏ ما يسرني أن لي الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها أنفقه في وجوه البر، وإني أغفل عن الله طرفة عين‏.‏

وقال‏:‏ قال زاهد لزاهد‏:‏ أوصني‏.‏ فقال‏:‏ لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك‏.‏ فقال‏:‏ زدني‏.‏

فقال‏:‏ ما عندي زيادة‏.‏

وقال‏:‏ من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن صدق فيترك شهوة أذهبها الله من قلبه، والله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوة تركت له‏.‏

وقال‏:‏ إذا سكنت الدنيا القلب ترحلت منه الآخرة، وإذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزاحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزاحمها الآخرة، لأن الدنيا لئيمة والآخرة كريمة، وما ينبغي لكريم أن يزاحم لئيماً‏.‏

وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ بتُّ ليلة عند أبي سليمان فسمعته يقول‏:‏ وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، ولئن طالبتني ببخلي لأطالبنك بكرمك، ولئن أمرت بي إلى النار لأخبرن أهل النار أني أحبك‏.‏

وكان يقول‏:‏ لو شك الناس كلهم في الحق ما شككت فيه وحدي‏.‏

وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: سمعت أبا جعفر يبكي في خطبته يوم الجمعة، فاستقبلني الغضب وحضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل. قال: فتفكرت أن أقوم إلى الخليفة فأعظه والناس جلوس يرمقوني بأبصارهم. فيعرض لي تزين فيأمر بي فأقتل على غير تصحيح.

وقال أحمد : بات أبو سليمان ذات ليلة فلما انتصف الليل قام ليتهيأ، فلما أدخل يده في الإناء بقي على حالته حتى انفجر الصبح، وكان وقت الإقامة. فخشيت أن تفوته الصلاة فقلت: الصلاة يرحمك الله. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم قال: يا أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني معارض من سري: هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك فبماذا تغسل قلبك? فبقيت متفكرا حتى قلت بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عز وجل.

وقال أحمد: قال أبو سليمان الداراني: من صفي صفي له ومن كدر كدر عليه.

وقال أحمد: قال سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخ لي لأحببت أن أضعها في فيه.

وكان يقول‏:‏ ما خلق الله خلقاً أهون عليَّ من إبليس، ولولا أن الله أمرني أن أتعوذ منه ما تعوذت منه أبداً، ولو تبدَّى لي ما لطمت إلا صفحة وجهه‏.‏

وقال‏:‏ إن اللص لا يجيء إلى خربة ينقب حيطانها وهو قادر على الدخول إليها من أي مكان شاء، وإنما يجيء إلى البيت المعمور، كذلك إبليس لا يجيء إلا كل قلب عامر ليستنزله وينزله عن كرسيه ويسلبه أعز شيء‏.‏

وقال‏:‏ إن من خلق الله قوماً لا يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه فكيف يشتغلون بالدنيا عنه ‏؟‏

وقال‏:‏ الدنيا عند الله أقل من جناح بعوضة فما الزهد فيها، وإنما الزهد في الجنان والحور العين، حتى لا يرى الله في قلبك غيره‏.‏

وقال الجنيد‏:‏ شيء يروى عن أبى سليمان، أنا استحسنته كثيراً قوله‏:‏ من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس‏.‏

وقال‏:‏ خير السخاء ما وافق الحاجة‏.‏

وقال‏:‏ من طلب الدنيا حلالاً واستغناء عن المسألة واستغناء عن الناس لقي الله يوم يلقاه ووجهه كالقمر ليلة البدر، ومن طلب الدنيا حلالاً مفاخراً ومكاثراً لقي الله يوم يلقاه وهو عليه غضبان‏.‏

وقال‏:‏ إن قوماً طلبوا الغنى في المال وجمعه فأخطأوا من حيث ظنوا، ألا وإنما الغنى في القناعة، وطلبوا الراحة في الكثرة وإنما الراحة في القلة، وطلبوا الكرامة من الخلق وإنما هي في التقوى، وطلبوا التنعم في اللباس الرقيق اللين، والطعام الطيب، والمسكن الأنيق المنيف، وإنما هو في الإسلام والإيمان، والعمل الصالح، والستر والعافية، وذكر الله‏.‏

وقال‏:‏ لولا قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وما أحب الدنيا لغرس الأشجار ولا لكري الأنهار، وإنما أحبها لصيام الهواجر وقيام الليل‏.‏

وقال‏:‏ أهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم‏.‏

وقال‏:‏ ربما استقبلني الفرح في جوف الليل، وربما رأيت القلب يضحك ضحكاً‏.‏

وقال‏:‏ إنه لتمرُّ بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً فأقول‏:‏ إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب‏.‏

وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ سمعت أبا سليمان يقول‏:‏ بينا أنا ساجد إذ ذهب بي النوم فإذا أنا بها - يعني‏:‏ الحوراء - قد ركضتني برجلها فقالت‏:‏ حبيبي أترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم‏؟‏ بؤساً لعين آثرت لذة نومة على لذة مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ ولقي المحبون بعضهم بعضاً، فما هذا الرقاد‏؟‏ حبيبي وقرَّة عيني أترقد عيناك وأنا أتربى لك في الخدود منذ كذا وكذا ‏؟‏ قال‏:‏ فوثبت فزعاً وقد عرقت حياء من توبيخها إياي، وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي‏.‏‏

وقال أحمد‏:‏ دخلت على أبي سليمان فإذا هو يبكي، فقلت‏:‏ مالك ‏؟‏ فقال‏:‏ زجرت البارحة في منامي‏.‏

قلت‏:‏ ما الذي زجرك ‏؟‏ قال‏:‏ بينا أنا نائم في محرابي إذ وقفت عليّ جارية تفوق الدنيا حسناً، وبيدها ورقة وهي تقول‏:‏ أتنام يا شيخ ‏؟‏ فقلت‏:‏ من غلبت عينه نام ‏؟‏ قالت‏:‏ كلا إن طالب الجنة لا ينام، ثم قالت‏:‏ أتقرأ ‏؟‏ قلت‏:‏ نعم ‏!‏ فأخذت الورقة من يدها فإذا فيها مكتوب‏:‏

لهت بك لذة عن حسن عيش * مع الخيرات في غرف الجنان

تعيش مخلداً لا موت فيها * وتنعم في الجنان مع الحسان

تيقظ من منامك إن خيراً * من النوم التهجد في القرآن

وقال‏:‏ إذا رأيت الصوفي يتنوق في لبس الصوف فليس بصوفي، وخيار هذه الأمة أصحاب القطن، أبو بكر الصديق وأصحابه‏.‏

وقال أبو سليمان‏:‏ الأخ الذي يعظك برؤيته قبل كلامه، وقد كنت أنظر إلى الأخ من أصحابي بالعراق فأنتفع برؤيته شهراً‏.‏

وقال أبو سليمان‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏عبدي إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت زلاتك من أم الكتاب ولم أناقشك الحساب يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ تنهدت عنده يوماً فقال‏:‏ إنك مسؤول عنها يوم القيامة، فإن كانت على ذنب سلف فطوبى لك، وإن كانت على فوت دنيا أو شهوة فويل لك‏.‏

وقال‏:‏ إنما رجع من رجع من الطريق قبل وصول ولو وصلوا إلى الله ما رجعوا‏.‏

وقال‏:‏ إنما عصى الله من عصاه لهوانهم عليه، ولو عزوا عليه وكرموا لحجزهم عن معاصيه، وحال بينهم وبينها‏.‏

وقال‏:‏ جلساء الرحمن يوم القيامة من جعل فيهم خصالاً‏:‏ الكرم، والحلم، والعلم، والحكمة، والرأفة، والرحمة، والفضل، والصفح، والإحسان، والبر، والعفو، واللطف‏.‏

وذكر أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب محن المشايخ أن أبا سليمان الداراني أخرج من دمشق‏ وقالوا‏:‏ إنه يرى الملائكة ويكلمونه، فخرج إلى بعض الثغور فرأى بعض أهل الشام في منامه أنه إن لم يرجع إليهم هلكوا‏.‏ فخرجوا في طلبه وتشفعوا وتذللوا له حتى ردوه‏.‏

وقد اختلف الناس في وفاته على أقوال‏:‏ فقيل‏:‏ مات سنة أربع ومائتين‏.‏ وقيل‏:‏ سنة خمس ومائتين‏.‏ وقيل‏:‏ خمس عشرة ومائتين‏.‏ وقيل‏:‏ سنة خمس وثلاثين ومائتين، فالله أعلم‏.‏

وقد قال مروان الطاطري يوم مات أبو سليمان‏:‏ لقد أصيب به أهل الإسلام كلهم‏.‏

وقد دفن في قرية داريا في قبلتها، وقبره بها مشهور وعليه بناء، وقبلته مسجد بناه الأمير ناهض الدين عمر النهرواني، ووقف على المقيمين عنده وقفاً يدخل عليهم منه غلة‏.‏

وقد توفي ابنه سليمان بعده بنحو من سنتين رحمهما الله تعالى‏.‏



مقتبس من البداية والنهاية لابن كثير، سير أعلام النبلاء للذهبي وصفة الصفوة لابن الجوزي

http://sites.google.com/site/islamfacilepourtous/hommes/oulama/darani





Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article