الصحابة والقرآن

Publié le par connaitre islam

 

الصحابة والقرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كيف تعامل الصحابة مع القرآن الكريم؟ لا شك أن هذا السؤال مهم إذا أردنا أن نسير على نهجهم ونبلو بلاءهم

يصوّر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كيف كان هذا التعامل : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزنهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن

لقد أدركوا فعلا نعمة الخروج من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام : لما جاءهم رسول الله المبعوث رحمة للعالمين أحسوا بهذه النعمة نعمة الوحي والهدى والنور فألقوا معتقداتهم وعاداتهم جانبا

كانوا يتقنون اللغة العربية ففهموا كلام الله على السليقة

كان هدف كل واحد منهم أن يرضي الله ويفوز بالمغفرة وينجو من النار. وإذا بدر منهم الخطأ، ردهم الوحي إلى الصواب. عن أبي أمامة قال : سألت عبادة عن الأنفال ، فقال : فينا - أصحاب بدر - نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا ، وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول : عن سواء . رواه أحمد. أنزل الله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ). إن هذه الأنفال ليست من شأنكم بل أنتم عليكم أن تتقوا الله وتصلحوا ذات بينكم. وهكذا كان يربيهم الوحي حتى تخلص نفوسهم من حظوظها

الصحابة بشر يخطئون مثلنا لكنهم تميزوا بصدق العزم والتناصح وقبول النصيحة. نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدح الرجل في وجهه. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال‏:‏ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة فقال‏:‏ ‏"‏أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل‏"‏ ‏‏متفق عليه‏. وكانوا يطبقون أوامره صلى الله عليه وسلم بحذافيرها فن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه فعمد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء فقال له عثمان‏:‏ ما شأنك‏؟‏ فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "إذا رأيتم المادحين فاحثوا في وجوههم التراب‏"‏ ‏رواه مسلم. هكذا تعلموا العلم والعمل

كانوا يبحثون عن النجاة‏. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ قلت يا رسول الله ما النجاة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك‏"‏ ‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن. كان غرضهم الفوز بالجنة والنجاة من النار. عن معاذ رضي الله عنه قال‏:‏ قلت يا رسول الله‏:‏ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه‏:‏ تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ثم قال‏:‏ ألا أدلك على أبواب الخير‏؟‏ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل” ثم تلا‏:‏ ‏{تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ حتى بلغ‏:‏ ‏{‏يعملون}‏ ‏(‏‏(‏السجدة‏:‏ 6‏)‏‏)‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه‏"‏ قلت‏"‏ بلى يا رسول الله قال‏:‏ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد” ثم قال‏:‏ “ألا أخبرك بملاك ذلك كله‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه قال‏:‏ ‏"‏كف عليك هذا‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‏؟‏ فقال‏:‏ ثكلتك أمك‏!‏ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم‏؟‏‏"‏ ‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح

تميزوا بمراقبتهم لله تعالى واتهامهم لأنفسهم. عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدى الكاتب أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال‏:‏ كيف أنت يا حنظلة‏؟‏ قلت‏:‏ نافق حنظلة. قال‏:‏ سبحان الله ما تقول‏؟‏‏ قلت‏:‏ نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا‏.‏ قال أبو بكر رضي الله عنه ‏:‏ فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقلت‏:‏ نافق حنظلة يا رسول الله.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏وما ذاك‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏ ‏"‏والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة‏"‏ ثلاث مرات. ‏‏رواه مسلم‏

كانوا يتنافسون في الطاعات، يتقربون إلى الله. عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال‏:‏ ‏"‏ما هذا الحبل‏"‏ قالوا ‏:‏ هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد‏"‏ ‏‏متفق عليه. وعن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال‏:‏ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول‏:‏ والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ماعشت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنت الذي تقول ذلك‏؟‏ فقلت له‏:‏ قد قلته بأبى أنت وأمى يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏‏"‏فإنك لا تستطيع ذلك؛ فصم وأفطر ونم وقم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر‏"‏ قلت‏:‏ فإنى أطيق أفضل من ذلك قال‏:‏ فصم يوما وأفطر يومين قلت‏:‏ فإنى أطيق أفضل من ذلك قال‏:‏ ‏"‏فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الصيام‏"‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏وهو أفضل الصيام‏"‏ فقلت ‏:‏ فإني أطيق أفضل من ذلك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا أفضل من ذلك‏"‏ ولأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي وما لي‏.‏ صحيح مسلم

كل واحد منهم اعتبر نفسه المخاطب رقم واحد بالتكليف فلم يتقاعسوا حتى صاروا ترجمة حية للقرآن الكريم. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت هذه الآية التي في البقرة : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ) فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت الآية التي في سورة النساء : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى : ألا يقربن الصلاة سكران . فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ : ( فهل أنتم منتهون ) قال عمر : انتهينا . رواه أحمد. قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم؟ فنزلت : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية . رواه الترمذي ، عن بندار غندر ، عن شعبة ، به نحو . وقال : حسن صحيح

ولما نزلت آية الجلباب : قال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها

وبالجملة، فإن قلوبهم كانت مستعدة لتلقي الوحي فتفاعلت معه. وقد أنعم الله عليهم بصحبة نبيه الذي رباهم ورعاهم. وهم كانوا أفضل هذه الأمة : أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلف، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه فلنا فيهم أسوة. اللهم أخرجنا من الغفلة والجهل، اللهم احشرنا مع الصحابة لحبنا لهم وإن قصرنا كثيرا في محاكاتهم. إنك بر رحيم غفور كريم



Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article